ما وراء السيف : المجلد الثاني- الملك سعود : جسر بين التقاليد والدبلوماسية

ما وراء السيف : المجلد الثاني- الملك سعود : جسر بين التقاليد والدبلوماسية

بقلم: نورة الزاهد

عندما تولى الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود الحكم في عام 1953، كانت المملكة العربية السعودية تمرّ بتحول عميق. فقد أدى اكتشاف النفط إلى تدفق الثروة ، وبرزت الحاجة إلى رسم دور المملكة على الساحة الدولية. وعلى خلاف والده الملك عبدالعزيز، الذي وحّد الجزيرة العربية من خلال الدبلوماسية القبلية والتحالفات الإستراتيجية، ورث الملك سعود دولةً تتطلب تعريفاً جديداً لدورها في العلاقات الدولية. وقد شهدت فترة حكمه بوادر الدبلوماسية العامة، حتى قبل أن يُصبح هذا المصطلح رائجاً من خلال بناء الشراكات العالمية، واستخدام الإعلام.

الحداثة كأداة دبلوماسية

شهدت المملكة في عهد الملك سعود نمواً اقتصادياً سريعاً، وكان ذلك ضرورة داخلية ورسالة دبلوماسية في آنٍ واحد. ومع تصاعد إيرادات النفط، استثمرت الدولة في البنية التحتية، والرعاية الصحية، والتعليم، في خطوة تعكس تطور المملكة إلى دولة حديثة.

ساهم إنشاء الطرق والمطارات والمستشفيات في تحسين جودة الحياة، وفي الوقت نفسه، قدم صورة خارجية عن الاستقرار والتنمية جذبت اهتمام المستثمرين والحلفاء الدوليين. كما أن إنشاء المدارس، بما في ذلك مدارس البنات، أظهر انفتاحاً على التقدم يُميز المملكة عن غيرها. ومن خلال تحديث مؤسسات الدولة، قدّم الملك سعود بلاده كشريك يمكن الوثوق به، يمتلك القدرة على إدارة موارد المملكة الضخمة والاضطلاع بمسؤولياته الجيوسياسية.

توسيع الحضور الدبلوماسي للمملكة

كان الملك سعود مدركاً أن نفوذ المملكة لا ينبغي أن يبقى محصوراً داخل حدودها. فخلال فترة حكمه، وسّعت السعودية بعثاتها الدبلوماسية وعززت مشاركتها في الشؤون الدولية. وبذكاء، بنى علاقات مع قادة الغرب والعالم العربي، متجنباً الانحياز في زمن الحرب الباردة، ومُرسخاً في الوقت ذاته سيادة المملكة.

وشكّلت زيارته التاريخية إلى الولايات المتحدة عام 1957 نقطة تحول في الدبلوماسية السعودية؛ حيث التقى بالرئيس دوايت آيزنهاور، مؤكداً على الأهمية الاستراتيجية للمملكة، ليس فقط كمصدر للطاقة، بل كقوة استقرار في الشرق الأوسط. وأسهمت الزيارة في ترسيخ العلاقات السعودية الأمريكية واستمرار التعاون العسكري والاقتصادي.

وفي ذات الوقت، عزّز الملك سعود روابط المملكة بالعالم العربي والإسلامي، فدعم القضية الفلسطينية، وساند مصر خلال أزمة السويس، وسعى لترسيخ مكانة السعودية كدولة رائدة في الشؤون الإسلامية. وقد اتسمت سياسته الخارجية بمزيج من البراغماتية والالتزام العقائدي، مما أتاح للمملكة أن تُرسّخ موقعها كقوة إقليمية وجسر بين الشرق والغرب.

استخدام الإعلام لتشكيل الانطباع العام

شهد عهد الملك سعود بداية صعود الإعلام الجماهيري، مما فتح آفاقاً جديدة لتشكيل الرأي العام. وأصبح الإعلام المطبوع وسيلة مهمة لترسيخ صورة المملكة كحامية للقيم الإسلامية، كدولة حديثة الطابع ومتجذرة في قيمها.

ولعب الإعلام المحلي دوراً محورياً في دعم الخطاب الرسمي، وتسليط الضوء على مشاريع التنمية والمبادرات الوطنية. وساهم ذلك في تصحيح الصور النمطية التي كانت سائدة في الغرب عن الشرق الأوسط، كما عزّز صورة المملكة في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من بساطة أدوات الإعلام آنذاك، فإن هذه الجهود شكّلت الأساس لاستخدام السعودية لاحقاً للإعلام كعنصر محوري في دبلوماسيتها العامة.

التوازن بين التقاليد والانفتاح العالمي

على عكس بعض القادة السعوديين اللاحقين الذين انتهجوا مواقف مختلفة في السياسة الخارجية، واجه الملك سعود مهمة تحقيق توازن دقيق بين التحديث والهوية الدينية للمملكة. فعلى الرغم من تبنّيه لمشاريع التنمية والشراكات الدولية، ظلّ متمسكاً بدور السعودية كمركز روحي للعالم الإسلامي.

ومن خلال تقديم نفسه كقيادي ينشد التحديث دون التفريط بالتقاليد، استطاع الملك سعود مخاطبة جمهورين مختلفين: للغرب، كان قائداً عصرياً لدولة نفطية تسعى للاندماج في الأسواق العالمية؛ وللعالمين العربي والإسلامي، كان حامياً للقيم الإسلامية ومدافعاً عن القضايا المشتركة. وقد أصبح هذا النهج المزدوج من أبرز سمات الدبلوماسية العامة السعودية، مؤكداً أن التحديث لا يتعارض مع المحافظة على الشرعية الدينية.